• ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مثقّفو الماكياج

علي الابراهيمي

مثقّفو الماكياج

 المثقف طالما كررت انه ذلك الموسوعي المنتج. وهذان العنصران - الموسوعية والانتاج - لا ينفصلان، فالموسوعية غير المنتجة خزين ترابي، والانتاج الذي لا يقوم على اساس الوعي الموسوعي كسراب بقيعة.

اما مفهوم (المثقف) اليوم فهو على قسمين: واقعي واصطلاحي . والمثقف الاصطلاحي هو الذي يتم ادراجه عادة تحت العناوين الثقافية فرضاً أو اكراهاً، في حين قد لا تتعدى ثقافته الجلوس على المقاهي واحتساء القهوة، أو ربما يكون من مثقفي موائد الخمر والليالي الحمراء، اما المثقفات الاصطلاحيات فهنّ عادة لسن بحاجة الى اكثر من ملابس شفافة وانواع من البودرة الفوقية والتحتية، حتى وان  كنّ لا يفككن الخط .

والكثير من متصدري المشهد الثقافي العراقي اليوم هم ربائب عالم المثقف الاصطلاحي، وبعضهم كان يسرق جهود وابداع الاخرين قبل 2003، وينشر تلك الاعمال باسمه، مستغلاً نفوذه البعثي ايام نظام البداوة الهدّام. وقد عاد هؤلاء اليوم يعملون مع كلّ اصناف السياسيين، ويحصدون الجوائز والهدايا ويزدادون نفوذاً، سيما خلال السنوات العشر الاخيرة التي تصدى فيها ارباع المتعلمين لدفة السلطة في مختلف المؤسسات العراقية.

لكنّ حديثنا في المثقف الواقعي، الذي يملك موسوعية قادرة على الانتاج فعلاً. وهؤلاء ايضاً انقسموا الى خطين، حيث تجمعهم الامكانية الموسوعية الضخمة، لكن يفترقون في الانتاجية، حيث هناك انتاجية ايجابية وانتاجية سلبية.

ان مجموعة الظروف والضغوط والاغراءات والمحن والتنافس تسببت بتيار ضاغط كبير على نفسية المثقف العراقي، حيث وضعته على مفترق طرق،  امّا الصمود والحفاظ على مبدأه ونقاوة قلمه وانتاجه، لكن عبر الوقوف بوجه تيار دنيوي مقيت شرس بهيمي، أو السير مع التيار والعيش بهستيريا لا منطقية.

لقد حافظ الكثير من المثقفين والمثقفات على استقلاليتهم ولم يبيعوا اقلامهم أو ابداعهم، ولازالوا ينتجون ويتألّقون، الا انهم في الغالب يخسرون الدعم المؤسساتي أو المالي أو الخ، غير انهم يعيشون حالة من الطمأنينة والسلام النفسي والسمو الفكري، تجعل منهم أرقاماً صعبة وتختصر في كلّ مبدع منهم فيض أمة.

أما القسم الاخر من المثقفين والمثقفات الموسوعيين فإنتاجهم موجود، لكنه سلبي، بمعنى مدفوع الثمن لصالح جهات وافراد ومؤسسات تملك المال والنفوذ، لكنها تفتقد الحق وتفتقد الغائية والنبل.

نعم، هذا النوع من الانتاج الثقافي المباع تحت وطأة الظروف والضغوط فتح سوقاً يتسافل يومياً بالمنتج الابداعي، كما يتسافل بشخص منتجه من المثقفين.

أصبح من المألوف قيام المؤسسات السياسية والجهوية بشراء مجمل الانتاج الابداعي للمثقف، واستغلال هذه الجهات ثقافة ولسان وقلم هذا المثقف بما يخدم مشاريعها، والتي يفتقد القائمون عليها عادة للثقافة والحضور اللازمين. وتصل هذه العملية في النهاية بذلك المثقف الى الحضيض الاجتماعي، وتجعله العوبة بيد مجموعة من الحمقى وارباع أو انصاف المتعلمين، حتى يذوب تلقائياً في عالمهم الاحمق دون وعي.

الانسان المثقف الذي يبيع عقله أو قلمه وابداعه سيصير بالتدريج كتلك القرية الخاوية على عروشها، حيث بئر معطلة وقصر مشيد.

فـ( مثقفو الماكياج )، هم والذين تتلخص وظيفتهم بتجميل الوجوه القميئة والقبيحة، واجراء عمليات التجميل بعد كلّ تشوه يطرأ على جسد مؤسسة او جهة عفنة.

ارسال التعليق

Top